السبت، 22 مايو 2010

قصص أطفال:عندما يصافح الثعلب ذئباً



جلس الذئبُ أبو سرحان في ظلِّ شجرةٍ كثيفة الأغصان، كشَّر عن أنيابه ثم لحسَ شفتيه بطرف لسانه.. وقال محدّثاً نفسه: دائماً الثعالب، لقد دوّختني..، كلما أقدمتُ على حظيرة للخراف وإذا أمامي الصراخ والنباح.. الثعالب.. الثَعالب..، آهٍ من الثعالب فهي دائماً تسبقني فتثير الضجة وتنبه كلاب الحراسة، وضرب كفّه بالأرض غاضباً وقال:
يجب أن أُعالج الأمر بسرعة بجديّة.. سوف أعطي للثعالب درساً قاسياً لأنها حرمتني من صيد كثير. وفكّر أبو سرحان الذئب بأن ينصب للثعالب فخاخاً ليصطادها ويستفيد من لحمها وفرائها.
وفي اليوم الثاني نفّذ خطته، ونصب فخاخه هنا وهناك في الأماكن التي يعرف أن الثعالبَ تمرّ فيها.. وراح ينتظر.
كان الجوّ بارداً، والأغصان تتمايل من شدّة الريح.. وأسراب الطيور ترجع إلى أوكارها تحسّباً لعاصفة..، ألا أنّ أبا سرحان ملّ الجلوس في مغارته، فخرج يفتّش ويتفقد فِخاخه ويتحسس آثار الثعالب.
وهتف فرحاً..، أوه.. وأخيراً وقعتَ في الفخ يا ثعلب..، فلا تحاول الإفلات..لا..، الفخ قد أطبق على ساقك بصورة محكمة ولم يترك لك مجالاً للهرب، كنتُ أنتظرك منذ زمن طويل أيها الثعلب لأني بحاجة إلى فرائك الدافئ في هذا الشتاء القارس.
وجلس الثعلب، ومدّ رجليه الخلفيتين فبان الفخ مطبقاً على ساقه، ثم ابتسم وقال للذئب: ولكن جلدي خشن أيها الذئب المحترم ولا يصلح لصناعة الفراء فأطلق سراحي وسوف أجلب لك أرانب كثيرة عوضاً عنّي.. أرانب ذات فراء حسن وملمس ناعم.. ولحم طازج ولذيذ:
أطلق الذئب ضحكة عالية وقال: ها.. أتريد أن تخدعني يا أبا الحصين؟!!
قال الثعلب بكلّ هدوء: اجلس أيها الذئب المحترم.. اجلس قريباً مني كي تسمعني جيداً.. فسوف أكون صريحاً معك.. صريحاً إلى أبعد الحدود..، فإننا نستطيع أن نتفاهم.. اقترب أيها الذئب المحترم..
نظر الذئب إليه، تفرّس وجهه، ماذا يريد أن يقولُ الثعلب!!.. ثم قال: تفضّل يا ثعلب.. هات ما عندك..
اقترب الثعلب أكثر وأصبح أمام الذئب وجهاً لوجه.. وقال:
دعنا من الماضي، اليوم نبدأ صداقة جديدة مبنيّة على الثقة، سوف أغمرك بالأرانب.. فراء أرانب.. ولحم أرانب..، ألا توافق على ذلك أيها الذئب المحترم؟
أطرق الذئب بعد سماع كلام الثعلب، نظر إليه الثعلب شزراً وعاجله قائلاً:
المسألة لا تحتاج إلى تفكير عميق أيها الذئب الذكي ففي صداقتنا منفعة لكلينا.. دعنا نتعاقد، وسوف أوقَّع على جميع الشروط والمواثيق التي تكتبها ونتفق عليها.
رفع الذئب رأسه مبتسماً وقال: اتفقنا.. لقد وثقت بكلامك يا أبا الحصين، ووقع الثعلب والذئب على ورقة الاتفاق بغير شهود، فقط كانت هناك حمامتان فوق شجرة قريبة منهما تنظران إليهما بلا مبالاة..
اقترب الذئب من ساق الثعلب ورفع الفخَّ عنها.
وقف الثعلب وصافح الذئب مصافحة حارّة.. وعانقه بحرارة.. تطلّع أحدهما إلى وجه الآخر..، ابتسم الذئب وقال:
انطلق أيها الثعلب الآن ولا تنسَ ما اتفقنا عليه.
أجاب الثعلب باسماً وهو يحكُّ ساقه: أقسم لك بصداقتنا الجديدة.. وبكل تاريخ الذئاب والثعالب أن التزم بكل حرفٍ وقّعتُ عليه..
وانطلق الثعلب وهو يفرك ساقه..، ثم نظر إلى آثار الفخّ على ساقه وابتسم يحدّث نفسه: مسكين أبو سرحان..!!
ابتعد الثعلب ووقف على ربوة قريبة من أشجار كثيفة.. والتفت إلى الذئب وخاطبه بصوتٍ عالٍ: أيها الذئب المحترم.. لا تنتظر منّي شيئاً..
ها!! أبهذه السرعة تنكث عهدك أيها الثعلب! أين الثقة التي بيننا.
ضحك الثعلب ضحكة عالية ساخرة.. وقال: متى كنتم تثقون بالثعالب.
أيها المغفّل المحترم؟؟
أجاب الذئب باسماً: والمواثيق والأوراق التي وقعتَ عليها، ماذا نفعل بها؟!
بكل بساطة -أيها الذئب- تستطيع أن تنقعها وتشرب ماءها كما يقولون..
طيّب يا ثعلب.. والقسم الذي أقسمت به أمامي..، بتاريخ الذئاب والثعالب!!؟
وقهقه الثعلب ضاحكاً وقال: يا مغفّل.. إنّ تاريخنا معروف..!
ثم هرب مهرولاً واختفى في الغابة تاركاً الذئب في حيرة من أمره ينظر إلى الفخ المنطرح أمامه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق